هجرة إبراهيم - عليه السلام - ومن آمن معه

0

إبراهيم والذين اتبعوا أمره أجمعوا على فراق قومهم ، فخرج مهاجرا حتى قدم مصر وبها فرعون من الفراعنة الأولى كان اسمه سنان بن علوان بن عبيد بن عولج بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح ، وقيل : كان أخا الضحاك استعمله على مصر ، وكانت سارة من أحسن النساء وجها ، وكانت لا تعصي إبراهيم شيئا ، فلما وصفت لفرعون أرسل إلى إبراهيم فقال : من هذه التي معك ؟ قال : أختي ، يعني في الإسلام ، وتخوف إن قال هي امرأتي أن يقتله . فقال له : زينها وأرسلها إلي . فأمر بذلك إبراهيم ، فتزينت ، وأرسلها إليه ، فلما دخلت عليه أهوى بيده إليها ، وكان إبراهيم حين أرسلها قام يصلي ، فلما أهوى إليها أخذ أخذا شديدا ، فقال : ادعي الله ولا أضرك . فدعت له ، فأرسل فأهوى إليها ، فأخذ أخذا شديدا ، فقال : ادعي الله ولا أضرك . فدعت له ، فأرسل ، ثم فعل ذلك الثالثة ، فذكر مثل المرتين ، فدعا أدنى حجابه فقال : إنك لم تأتني بإنسان وإنك أتيتني بشيطان ! أخرجها ، وأعطها هاجر ، ففعل ، فأقبلت بهاجر ، فلما أحس إبراهيم بها انفتل من صلاته ، فقال : مهيم ! فقالت : كفى الله كيد الكافرين وأخدم هاجر . وكان أبو هريرة يقول : تلك أمكم يا بني ماء السماء . وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث مرات ، اثنتين في ذات الله ، قوله : إني سقيم ، وقوله : بل فعله كبيرهم هذا ، وقوله في سارة : هي أختي . قوله تعالى : وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون أئفكا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم فتولوا عنه مدبرين قوله تعالى : وإن من شيعته لإبراهيم قال ابن عباس : أي : من أهل دينه . وقال مجاهد : أي : على منهاجه وسنته . قال الأصمعي : الشيعة الأعوان ، وهو مأخوذ من الشياع ، وهو الحطب الصغار الذي يوقد مع الكبار حتى يستوقد . وقال الكلبي والفراء : المعنى : وإن من شيعة محمد لإبراهيم . فالهاء في شيعته على هذا لمحمد عليه السلام . وعلى الأول لنوح وهو أظهر ; لأنه هو المذكور أولا ، وما كان بين نوح وإبراهيم إلا نبيان هود وصالح ، وكان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة ، حكاه الزمخشري . قوله تعالى : إذ جاء ربه بقلب سليم أي مخلص من الشرك والشك . وقال عوف الأعرابي : سألت محمد بن سيرين ما القلب السليم ؟ فقال : الناصح لله - عز وجل - في خلقه . وذكر الطبري عن غالب القطان وعوف وغيرهما عن محمد بن سيرين أنه كان يقول للحجاج : مسكين أبو محمد ! إن عذبه الله فبذنبه ، وإن غفر له فهنيئا له ، وإن كان قلبه سليما فقد أصاب الذنوب من هو خير منه . قال عوف : فقلت لمحمد ما القلب السليم ؟ قال : أن يعلم أن الله حق ، وأن الساعة قائمة ، وأن الله يبعث من في القبور . وقال هشام بن عروة : كان أبي يقول لنا : يا بني لا تكونوا لعانين ، ألم تروا إلى إبراهيم لم يلعن شيئا قط ، فقال تعالى : إذ جاء ربه بقلب سليم . ويحتمل مجيئه إلى ربه وجهين : أحدهما : عند دعائه إلى توحيده وطاعته ، الثاني : عند إلقائه في النار . إذ قال لأبيه وهو آزر ، وقد مضى الكلام فيه . وقومه ماذا تعبدون تكون ما في موضع رفع بالابتداء و " ذا " خبره . ويجوز أن تكون " ما " و " ذا " في موضع نصب ب " تعبدون " . أئفكا نصب على المفعول به ، بمعنى أتريدون إفكا . قال المبرد : والإفك أسوأ الكذب ، وهو الذي لا يثبت ويضطرب ، ومنه ائتفكت بهم الأرض . " آلهة " بدل من إفك دون الله تريدون أي تعبدون . ويجوز أن يكون حالا بمعنى أتريدون آلهة من دون الله آفكين . فما ظنكم برب العالمين أي ما ظنكم به إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره ؟ فهو تحذير ، مثل قوله : ما غرك بربك الكريم وقيل : أي شيء أوهمتموه حتى أشركتم به غيره . قوله تعالى : فنظر نظرة في النجوم قال ابن زيد عن أبيه : أرسل إليه ملكهم إن غدا عيدنا فاخرج معنا ، فنظر إلى نجم طالع فقال : إن هذا يطلع مع سقمي . وكان علم النجوم مستعملا عندهم منظورا فيه ، فأوهمهم هو من تلك الجهة ، وأراهم من معتقدهم عذرا لنفسه ، وذلك أنهم كانوا أهل رعاية وفلاحة ، وهاتان المعيشتان يحتاج فيهما إلى نظر في النجوم . وقال ابن عباس : كان علم النجوم من النبوة ، فلما حبس الله تعالى الشمس على يوشع بن نون أبطل ذلك ، فكان نظر إبراهيم فيها علما نبويا . وحكى جويبر عن الضحاك : كان علم النجوم باقيا إلى زمن عيسى - عليه السلام - ، حتى دخلوا عليه في موضع لا يطلع عليه منه ، فقالت لهم مريم : من أين علمتم بموضعه ؟ قالوا : من النجوم . فدعا ربه عند ذلك فقال : اللهم لا تفهمهم في علمها ، فلا يعلم علم النجوم أحد ، فصار حكمها في الشرع محظورا ، وعلمها في الناس مجهولا . قال الكلبي : وكانوا في قرية بين البصرة والكوفة يقال لهم هرمز جرد ، وكانوا ينظرون في النجوم . فهذا قول . وقال الحسن : المعنى أنهم لما كلفوه الخروج معهم تفكر فيما يعمل . فالمعنى على هذا أنه نظر فيما نجم له من الرأي ، أي : فيما طلع له منه ، فعلم أن كل حي يسقم فقال . إني سقيم . الخليل والمبرد : يقال للرجل إذا فكر في الشيء يدبره : نظر في النجوم . وقيل : كانت الساعة التي دعوه إلى الخروج معهم فيها ساعة تغشاه فيها الحمى . وقيل : المعنى فنظر فيما نجم من الأشياء فعلم أن لها خالقا . ومدبرا ، وأنه يتغير كتغيرها . فقال إني سقيم وقال الضحاك : معنى سقيم سأسقم سقم الموت ; لأن من كتب عليه الموت يسقم في الغالب ثم يموت ، وهذا تورية وتعريض ، كما قال للملك لما سأله عن سارة : هي أختي ، يعني أخوة الدين . وقال ابن عباس وابن جبير والضحاك أيضا : أشار لهم إلى مرض وسقم يعدي كالطاعون ، وكانوا يهربون من الطاعون ، " ف " لذلك تولوا عنه مدبرين أي : فارين منه خوفا من العدوى . وروى الترمذي الحكيم قال : حدثنا أبي قال : حدثنا عمرو بن حماد ، عن أسباط ، عن السدي ، عن أبي مالك وأبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن سمرة عن الهمداني عن ابن مسعود قال : قالوا لإبراهيم : إن لنا عيدا لو خرجت معنا لأعجبك ديننا . فلما كان يوم العيد خرجوا إليه وخرج معهم ، فلما كان ببعض الطريق ألقى بنفسه ، وقال إني سقيم أشتكي رجلي ، فوطئوا رجله وهو صريع ، فلما مضوا نادى في آخرهم وتالله لأكيدن أصنامكم قال أبو عبد الله : وهذا ليس بمعارض لما قال ابن عباس وابن جبير ; لأنه يحتمل أن يكون قد اجتمع له أمران . قلت : وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : لم يكذب إبراهيم النبي - عليه السلام - إلا ثلاث كذبات . . . الحديث . وقد مضى في سورة [ الأنبياء ] وهو يدل على أنه لم يكن سقيما ، وإنما عرض لهم . وقد قال - جل وعز - : إنك ميت وإنهم ميتون فالمعنى إني سقيم فيما أستقبل ، فتوهموا هم أنه سقيم الساعة . وهذا من معاريض الكلام على ما ذكرنا ، ومنه المثل السائر [ كفى بالسلامة داء ] وقول لبيد : فدعوت ربي بالسلامة جاهدا ليصحني فإذا السلامة داء وقد مات رجل فجأة فالتف عليه الناس فقالوا : مات وهو صحيح! فقال أعرابي : أصحيح من الموت في عنقه! فإبراهيم صادق ، لكن لما كان الأنبياء لقرب محلهم واصطفائهم عد هذا ذنبا ، ولهذا قال : والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين وقد مضى هذا كله مبينا والحمد لله . وقيل : أراد سقيم النفس لكفرهم . والنجوم يكون جمع نجم ويكون واحدا مصدرا .

إبراهيم الخليل عليه السلام ومن كان في عصره من ملوك العجم

0

وهو إبراهيم بن تارخ بن ناخور بن ساروغ بن أرغو بن فالغ بن غابر بن شالخ بن قينان بن أرفخشذ بن سام بن نوح - عليه السلام - . واختلف في الموضع الذي كان فيه والموضع الذي ولد فيه ، فقيل : ولد بالسوس من أرض الأهواز ، وقيل : ولد ببابل ، وقيل : بكوثى ، وقيل : بحران ، ولكن أباه نقله . قال عامة أهل العلم : كان مولده في عهد نمرود بن كوش . ويقول عامة أهل الأخبار : إن نمرود كان عاملا للازدهاق الذي زعم بعض من زعم أن نوحا أرسل إليه . وأما جماعة من سلف من العلماء فإنهم يقولون : كان ملكا برأسه . قال ابن إسحاق : وكان ملكه قد أحاط بمشارق الأرض ومغاربها ، وكان ببابل ، قال : ويقال : لم يجتمع ملك الأرض إلا لثلاثة ملوك : نمرود ، وذي القرنين ، وسليمان بن داود ، وأضاف غيره إليهم بختنصر ، وسنذكر بطلان هذا القول . فلما أراد الله أن يبعث إبراهيم حجة على خلقه ورسولا إلى عباده ، ولم يكن فيما بينه وبين نوح نبي إلا هود ، وصالح ، فلما تقارب زمان إبراهيم أتى أصحاب النجوم نمرود ، فقالوا له : إنا نجد غلاما يولد في قريتك هذه يقال له إبراهيم يفارق دينكم ويكسر أصنامكم في شهر كذا من سنة كذا . فلما دخلت السنة التي ذكروا حبس نمرود الحبالى عنده إلا أم إبراهيم فإنه لم يعلم بحبلها لأنه لم يظهر عليها أثره ، فذبح كل غلام ولد في ذلك الوقت . فلما وجدت أم إبراهيم الطلق خرجت ليلا إلى مغارة كانت قريبة منها فولدت إبراهيم ، وأصلحت من شأنه ما يصنع بالمولود ، ثم سدت عليه المغارة ، ثم سعت إلى بيتها راجعة ، ثم كانت تطالعه لتنظر ما فعل ، فكان يشب في اليوم ما يشب غيره في الشهر ، وكانت تجده حيا يمص إبهامه جعل الله رزقه فيها . وكان آزر سأل أم إبراهيم عن حملها فقالت : ولدت غلاما فمات ، فصدقها ، وقيل : بل علم آزر بولادة إبراهيم ، وكتمه حتى نسي الملك ذكر ذلك ، فقال آزر : إن لي ابنا قد خبأته أفتخافون عليه الملك إن أنا جئت به ؟ فقالوا : لا . فانطلق فأخرجه من السرب فلما نظر إلى الدواب ، وإلى الخلق ، ولم يكن رأى قبل ذلك غير أبيه وأمه ، جعل يسأل أباه عما يراه ، فيقول أبوه : هذا بعير ، أو بقرة ، أو غير ذلك . فقال : ما لهؤلاء الخلق بد من أن يكون لهم رب ! وكان خروجه بعد غروب الشمس ، فرفع رأسه إلى السماء فإذا هو بالكوكب وهو المشتري ، فقال : ( هذا ربي ) . فلم يلبث أن غاب ، فقال : ( لا أحب الآفلين ) . وكان خروجه في آخر الشهر فلهذا رأى الكوكب قبل القمر . وقيل : كان تفكر وعمره خمسة عشر شهرا ، قال لأمه وهو في المغارة أخرجيني أنظر ، فأخرجته عشاء فنظر فرأى الكوكب وتفكر في خلق السماوات والأرض وقال في الكوكب ما تقدم ، فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين . فلما جاء النهار وطلعت الشمس رأى نورا أعظم من كل ما رأى فقال : هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال ياقوم إني بريء مما تشركون . ثم رجع إبراهيم إلى أبيه وقد عرف ربه وبرئ من دين قومه إلا أنه لم ينادهم بذلك ، فأخبرته أمه بما كانت صنعت من كتمان حاله ، فسره ذلك . وكان آزر يصنع الأصنام التي يعبدونها ويعطيها إبراهيم ليبيعها ، فكان إبراهيم يقول : من يشتري ما لا يضره وما لا ينفعه ؟ فلا يشتريها منه أحد ، وكان يأخذها ، وينطلق بها إلى نهر فيصوب رءوسها فيه ويقول : اشربي ! استهزاء بقومه . حتى فشا ذلك عنه في قومه ، غير أنه لم يبلغ خبره نمرود . فلما بدا لإبراهيم أن يدعو قومه إلى ترك ما هم عليه ويأمرهم بعبادة الله تعالى دعا أباه إلى التوحيد فلم يجبه ، ودعا قومه ، فقالوا : من تعبد أنت ؟ قال : رب العالمين . قالوا : نمرود ؟ قال : بل أعبد الذي خلقني . فظهر أمره . وبلغ نمرود أن إبراهيم أراد أن يري قومه ضعف الأصنام التي يعبدونها ليلزمهم الحجة ، فجعل يتوقع فرصة ينتهي بها ليفعل بأصنامهم ذلك ، فنظر نظرة في النجوم فقال : إني سقيم ، أي طعين ، ليهربوا منه إذا سمعوا به ، وإنما يريد إبراهيم ليخرجوا عنه ليبلغ من أصنامهم . وكان لهم عيد يخرجون إليه جميعهم . فلما خرجوا قال هذه المقالة فلم يخرج معهم إلى العيد ، وخالف إلى أصنامهم وهو يقول : وتالله لأكيدن أصنامكم فسمعه ضعفى الناس ومن هو في آخرهم ، ورجع إلى الأصنام وهي في بهو عظيم بعضها إلى جنب بعض لكل صنم يليه أصغر منه حتى بلغوا باب البهو وإذا هم قد جعلوا طعاما بين يدي آلهتهم ، وقالوا : نترك الآلهة إلى حين نرجع فتأكله . فلما نظر إبراهيم إلى ما بين أيديهم من الطعام قال : ألا تأكلون فلما لم يجبه أحد قال : ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين ، فكسرها بفأس في يده حتى إذا بقي أعظم صنم منها ربط الفأس بيده ثم تركهن . فلما رجع قومه ، ورأوا ما فعل بأصنامهم راعهم ذلك ، وأعظموه ، وقالوا : من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم يعنون يسبها ويعيبها ، ولم نسمع ذلك من غيره وهو الذي نظنه صنع بها هذا . وبلغ ذلك نمرود وأشرف قومه ، فقالوا : ( فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ) ما نفعل به ، وقيل : يشهدون عليه ، كرهوا أن يأخذوه بغير نية ، فلما أتي به ، واجتمع له قومه عند ملكهم نمرود ، وقالوا : أأنت فعلت هذا بآلهتنا ياإبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ، غضب من أن يعبدوا هذه الصغار وهو أكبر منها فكسرها ، فارعووا ورجعوا عنه فيما ادعوا عليه من كسرها إلى أنفسهم فيما بينهم ، فقالوا : لقد ظلمناه وما نراه إلا كما قال . ثم قالوا ، وعرفوا أنها لا تضر ولا تنفع ولا تبطش : لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ، أي لا يتكلمون ، فتخبرنا من صنع هذا بها وما تبطش بالأيدي فنصدقك . يقول الله تعالى : ثم نكسوا على رءوسهم في الحجة عليهم لإبراهيم ، فقال لهم إبراهيم عند قولهم " ما هؤلاء ينطقون " : أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون ثم إن نمرود قال لإبراهيم : أرأيت إلهك الذي تعبد وتدعو إلى عبادته ما هو ؟ قال : ربي الذي يحيي ويميت . قال نمرود : أنا أحيي وأميت . قال إبراهيم : وكيف ذلك ؟ قال : آخذ رجلين قد استوجبا القتل فأقتل أحدهما فأكون قد أمته ، وأعفو عن الآخر فأكون قد أحييته . فقال إبراهيم : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت عند ذلك نمرود ولم يرجع إليه شيئا . ثم إنه وأصحابه أجمعوا على قتل إبراهيم ، فقالوا : حرقوه وانصروا آلهتكم قال عبد الله بن عمر : أشار بتحريقه رجل من أعراب فارس ، قيل له : وللفرس أعراب ؟ قال : نعم ، الأكراد هم أعرابهم . قيل : كان اسمه هيزن فخسف به فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة . فأمر نمرود بجمع الحطب من أصناف الخشب حتى إن كانت المرأة لتنذر بـ : إن بلغت ما تطلب لتحتطب لنار إبراهيم ، حتى إذا أرادوا أن يلقوه فيها قدموه ، وأشعلوا النار حتى إن كانت الطير لتمر بها فتحترق من شدتها وحرها ، فلما أجمعوا لقذفه فيها صاحت السماء والأرض وما فيها من الخلق إلا الثقلين إلى الله صيحة واحدة : أي ربنا ! إبراهيم ، ليس في أرضك من يعبدك غيره يحرق بالنار فيك فأذن لنا في نصره ! قال الله تعالى : إن استغاث بشيء منكم فلينصره وإن لم يدع غيري فأنا له . فلما رفعوه على رأس البنيان رفع رأسه إلى السماء ، وقال : اللهم أنت الواحد في السماء وأنت الواحد في الأرض ، حسبي الله ونعم الوكيل . وعرض له جبرائيل وهو يوثق فقال : ألك حاجة يا إبراهيم ؟ قال : أما إليك فلا . فقذفوه في النار فناداها ، فقال : يانار كوني بردا وسلاما على إبراهيم . وقيل : ناداها جبرائيل ، فلو لم يتبع بردها سلام لمات إبراهيم من شدة بردها ، فلم يبق يومئذ نار إلا طفئت ظنت أنها هي . وبعث الله ملك الظل في صورة إبراهيم فقعد فيها إلى جنبه يؤنسه . فمكث نمرود أياما لا يشك أن النار قد أكلت إبراهيم ، فرأى كأنه نظر فيها وهي تحرق بعضها بعضا وإبراهيم جالس إلى جنبه رجل مثله . فقال لقومه : لقد رأيت كأن إبراهيم حي ولقد شبه علي ، ابنوا لي صرحا يشرف بي على النار ، فبنوا له وأشرف منه فرأى إبراهيم جالسا وإلى جانبه رجل في صورته ، فناداه نمرود : يا إبراهيم ، كبير إلهك الذي بلغت قدرته وعزته أن حال بينك وبين ما أرى ، هل تستطيع أن تخرج منها ؟ قال : نعم . قال : أتخشى إن أقمت فيها أن تضرك ؟ قال : لا . فقام إبراهيم فخرج منها ، فلما خرج قال له : يا إبراهيم ، من الرجل الذي رأيت معك مثل صورتك ؟ قال : ذلك ملك الظل أرسله إلي ربي ليؤنسني . قال نمرود : إني مقرب من إلهك قربانا لما رأيت من قدرته وعزته وما صنع بك حين أبيت إلا عبادته . فقال إبراهيم : إذا لا يقبل الله منك ما كنت على شيء من دينك . فقال : يا إبراهيم ، لا أستطيع ترك ملكي . وقرب أربعة آلاف بقرة وكف عن إبراهيم ، ومنعه الله منه . وآمن مع إبراهيم رجال من قومه حين رأوا ما صنع الله به على خوف من نمرود وملئهم ، وآمن له لوط بن هاران ، وهو ابن أخي إبراهيم ، وكان لهم أخ ثالث يقال له ناخور بن تارخ ، وهو أبو بتويل ، وبتويل أبو لابان وأبو ربقا امرأة إسحاق بن إبراهيم أم يعقوب ، ولابان أبو ليا وراحيل زوجتي يعقوب . وآمنت به سارة ، وهي ابنة عمه ، وهي سارة ابنة هاران الأكبر عم إبراهيم ، وقيل : كانت ابنة ملك حران . فآمنت بالله تعالى مع إبراهيم . قوله تعالى فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين قوله تعالى فلما جن عليه الليل أي ستره بظلمته ، ومنه الجنة والجنة والجنة والجنين والمجن والجن كله بمعنى الستر . وجنان الليل ادلهمامه وستره . قال الشاعر : ولولا جنان الليل أدرك ركضنا بذي الرمث والأرطى عياض بن ناشب ويقال : جنون الليل أيضا . ويقال : جنه الليل وأجنه الليل لغتان . رأى كوكبا هذه قصة أخرى غير قصة عرض الملكوت عليه . فقيل : رأى ذلك من شق الصخرة الموضوعة على رأس السرب . وقيل : لما أخرجه أبوه من السرب وكان وقت غيبوبة الشمس فرأى الإبل والخيل والغنم فقال : لا بد لها من رب . ورأى المشتري أو الزهرة ثم القمر ثم الشمس ، وكان هذا في آخر الشهر . قال محمد بن إسحاق : وكان ابن خمس عشرة سنة . وقيل : ابن سبع سنين . وقيل : لما حاج نمروذا كان ابن سبع عشرة سنة . قوله تعالى قال هذا ربي اختلف في معناه على أقوال ; فقيل : كان هذا منه في مهلة النظر وحال الطفولية وقبل قيام الحجة ; وفي تلك الحال لا يكون كفر ولا إيمان . فاستدل قائلو هذه المقالة بما روي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فعبده حتى غاب عنه ، وكذلك الشمس والقمر ; فلما تم نظره قال : إني بريء مما تشركون واستدل بالأفول لأنه أظهر الآيات على الحدوث . وقال قوم : هذا لا يصح ; وقالوا : غير جائز أن يكون لله تعالى رسول يأتي عليه وقت من الأوقات إلا وهو لله تعالى موحد وبه عارف ، ومن كل معبود سواه بريء . قالوا : وكيف يصح أن يتوهم هذا على من عصمه الله وآتاه رشده من قبل ، وأراه ملكوته ليكون من الموقنين ، ولا يجوز أن يوصف بالخلو عن المعرفة ، بل عرف الرب أول النظر . قال الزجاج : هذا الجواب عندي خطأ وغلط ممن قاله ; وقد أخبر الله تعالى عن إبراهيم أنه قال : واجنبني وبني أن نعبد الأصنام وقال جل وعز : إذ جاء ربه بقلب سليم أي لم يشرك به قط . قال : والجواب عندي أنه قال هذا ربي على قولكم ; لأنهم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر ; ونظير هذا قوله تعالى : أين شركائي وهو جل وعلا واحد لا شريك له . والمعنى : أين شركائي على قولكم . وقيل : لما خرج إبراهيم من السرب رأى ضوء الكوكب وهو طالب لربه ; فظن أنه ضوءه قال : هذا ربي أي بأنه يتراءى لي نوره . فلما أفل قال لا أحب الآفلين علم أنه ليس بربه . فلما رأى القمر بازغا ونظر إلى ضوئه قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي وليس هذا شركا . إنما نسب ذلك الضوء إلى ربه فلما رآه زائلا دله العلم على أنه غير مستحق لذلك ; فنفاه بقلبه وعلم أنه مربوب وليس برب . وقيل : إنما قال هذا ربي لتقرير الحجة على قومه فأظهر موافقتهم ; فلما أفل النجم قرر الحجة وقال : ما تغير لا يجوز أن يكون ربا . وكانوا يعظمون النجوم ويعبدونها ويحكمون بها . وقال النحاس : ومن أحسن ما قيل في هذا ما صح عن ابن عباس أنه قال في قول الله عز وجل : نور على نور قال : كذلك قلب المؤمن يعرف الله عز وجل ويستدل عليه بقلبه ، فإذا عرفه ازداد نورا على نور ; وكذا إبراهيم عليه السلام عرف الله عز وجل بقلبه واستدل عليه بدلائله ، فعلم أن له ربا وخالقا . فلما عرفه الله عز وجل بنفسه ازداد معرفة فقال : أتحاجوني في الله وقد هداني وقيل : هو على معنى الاستفهام والتوبيخ ، منكرا لفعلهم . والمعنى : أهذا ربي ، أومثل هذا يكون ربا ؟ فحذف الهمزة . وفي التنزيل أفئن مت فهم الخالدون أي أفهم الخالدون . وقال الهذلي : رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع فقلت وأنكرت الوجوه هم هم وقال آخر : لعمرك ما أدري وإن كنت داريا بسبع رمين الجمر أم بثمان وقيل : المعنى هذا ربي على زعمكم ; كما قال تعالى : أين شركائي الذين كنتم تزعمون وقال : ذق إنك أنت العزيز الكريم أي عند نفسك . وقيل : المعنى أي وأنتم تقولون هذا ربي ; فأضمر القول ، وإضماره في القرآن كثير . وقيل : المعنى في هذا ربي ; أي هذا دليل على ربي .

الأحداث التي كانت بين نوح ، وإبراهيم

0

ذكرنا ما كان من أمر نوح ، وأمر ولده واقتسامهم الأرض بعده ، ومساكن كل فريق منهم ، فكان ممن طغى وبغى فأرسل إليهم رسولا فكذبوه فأهلكهم الله ، هذان الحيان من ولد إرم بن سام بن نوح ، أحدهما عاد ، والثاني ثمود . فأما عاد فهو عاد بن عوض بن إرم بن سام بن نوح ، وهو عاد الأولى ، وكانت مساكنهم ما بين الشحر ، وعمان ، وحضرموت بالأحقاف ، فكانوا جبارين طوال القامة لم يكن مثلهم ، يقول الله تعالى : واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة ، فأرسل الله إليهم هود بن عبد الله بن رباح بن الجلود بن عاد بن عوض . ومن الناس من يزعم أنه هود وهو غابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، وكانوا أهل أوثان ثلاثة ، يقال لأحدها ضرا ، وللآخر ضمور ، وللثالث الهبا ، فدعاهم إلى توحيد الله ، وإفراده بالعبادة دون غيره ، وترك ظلم الناس ، فكذبوه ، وقالوا : من أشد منا قوة ! ولم يؤمن بهود منهم إلا قليل . وكان من أمرهم ما ذكره ابن إسحاق قال : إن عادا أصابهم قحط تتابع عليهم بتكذيبهم هودا ، فلما أصابهم قالوا : جهزوا منكم وفدا إلى مكة يستسقون لكم ، فبعثوا قيل بن عير ، ولقيم بن هزال ، ومرثد بن سعد ، وكان مسلما يكتم إسلامه ، وجلهمة بن الخيبري خال معاوية بن بكر ، ولقمان بن عاد بن فلان بن عاد الأكبر في سبعين رجلا من قومهم ، فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر بظاهر مكة خارجا عن الحرم ، فأكرمهم ، وكانوا أخواله وصهره لأن لقيم بن هزال كان تزوج هزيلة بنت بكر أخت معاوية ، فأولدها أولادا كانوا عند خالهم معاوية بمكة ، وهم عبيد ، وعمرو ، وعامر ، وعمير بنو لقيم ، وهو عاد الآخرة التي بقيت بعد عاد الأولى ، فلما نزلوا على معاوية أقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان - قينتان لمعاوية - فلما رأى معاوية طول مقامهم وتركهم ما أرسلوا له شق عليه ذلك ، وقال : هلك أخوالي ، واستحيا أن يأمر الوفد بالخروج إلى ما بعثوا له ، فذكر ذلك للجرادتين فقالتا : قل شعرا نغنيهم به لا يدرون من قائله لعلهم يتحركون ; فقال معاوية : ألا يا قيل ويحك قم فهينم لعل الله يصبحنا غماما فيسقي أرض عاد إن عادا قد امسوا لا يبينون الكلاما في أبيات ذكرها . والهينمة : الكلام الخفي . فلما غنتهم الجرادتان ذلك الشعر وسمعه القوم ، قال بعضهم لبعض : يا قوم ، بعثكم قومكم يتغوثون بكم من البلاء الذي نزل بهم فأبطأتم عليهم فادخلوا الحرم ، واستسقوا لقومكم . فقال مرثد بن سعد : إنهم والله لا يسقون بدعائهم ، ولكن أطيعوا نبيكم ، فأنتم تسقون ، وأظهر إسلامه عند ذلك . فقال جلهمة بن الخيبري خال معاوية ، لمعاوية بن بكر : احبس عنا مرثد بن سعد . وخرجوا إلى مكة يستسقون بها لعاد ، فدعوا الله تعالى لقومهم ، واستسقوا ، فأنشأ الله سحائب ثلاثا بيضاء ، وحمراء ، وسوداء ، ونادى مناد منها : يا قيل ، اختر لنفسك وقومك . فقال : قد اخترت السحابة السوداء فإنها أكثر ماء ، فناداه مناد اختر رمادا رمدادا ، لا تبقي من عاد أحدا ، لا ولدا تترك ولا والدا إلا جعلته همدا ، إلا بني اللوذية المهدى . وبنو اللوذية : بنو لقيم بن هزال ، كانوا بمكة عند خالهم معاوية بن بكر . وساق الله السحابة السوداء بما فيها من العذاب إلى عاد ، فخرجت عليهم من واد يقال له المغيث ، فلما رأوها استبشروا بها وقالوا : هذا عارض ممطرنا يقول الله تعالى : بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها أي كل شيء أمرت به . وكان أول من رأى ما فيها وعرف أنها ريح مهلكة امرأة من عاد يقال لها فهدد ، فلما رأت ما فيها صاحت وصعقت ، فلما أفاقت قالوا : ماذا رأيت ؟ قالت : رأيت ريحا فيها كشهب النار أمامها رجال يقودونها ، فلما خرجت الريح من الوادي قال سبعة رهط منهم ، أحدهم الخلجان : تعالوا حتى نقوم على شفير الوادي فنردها . فجعلت الريح تدخل تحت الواحد منهم فتحمله فتدق عنقه ، وبقي الخلجان فمال إلى الجبل وقال : لم يبق إلا الخلجان نفسه يا لك من يوم دهاني أمسه بثابت الوطء شديد وطسه لو لم يجئني جئته أجسه فقال له هود : أسلم تسلم . فقال : وما لي ؟ قال : الجنة . فقال : فما هؤلاء الذين في السحاب كأنهم البخت ؟ قال : الملائكة . قال : أيعيذني ربك منهم إن أسلمت ؟ قال : هل رأيت ملكا يعيذ من جنده ؟ قال : لو فعل ما رضيت . ثم جاءت الريح وألحقته بأصحابه و سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ، كما قال تعالى . والحسوم : الدائمة . فلم تدع من عاد أحدا إلا هلك ، واعتزل هود والمؤمنون في حظيرة لم يصبه ومن معه منها إلا تليين الجلود ، وإنها لتمر من عاد بالظعن وما بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة . وعاد وفد عاد إلى معاوية بن بكر فنزلوا عليه ، فأتاهم رجل على ناقة فأخبرهم بمصاب عاد وسلامة هود . قال : وكان قد قيل للقمان بن عاد : اختر لنفسك إلا أنه لا سبيل إلى الخلود . فقال : يا رب أعطني عمرا . فقيل له : اختر . فاختار عمر سبعة أنسر . فعمر فيما يزعمون عمر سبعة أنسر ، فكان يأخذ الفرخ الذكر حين يخرج من بيضته حتى إذا مات أخذ غيره ، وكان يعيش كل نسر ثمانين سنة ، فلما مات السابع مات لقمان معه ، وكان السابع يسمى لبدا . قال : وكان عمر هود مائة وخمسين سنة . وقبره بحضرموت ، وقيل بالحجر من مكة ، فلما هلكوا أرسل الله طيرا سودا فنقلتهم إلى البحر ، فذلك قوله تعالى : فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم . ولم تخرج ريح قط إلا بمكيال إلا يومئذ فإنها عتت على الخزنة ، فذلك قوله فأهلكوا بريح صرصر عاتية . وكانت الريح تقلع الشجرة العظيمة بعروقها وتهدم البيت على من فيه . وأما ثمود فهم ولد ثمود بن جاثر بن إرم بن سام ، وكانت مساكن ثمود بالحجر بين الحجاز ، والشام ، وكانوا بعد عاد قد كثروا ، وكفروا ، وعتوا ، فبعث الله إليهم صالح بن عبيد بن أسف بن ماشج بن عبيد بن جادر بن ثمود ، وقيل : أسف بن كماشج بن إرم بن ثمود - يدعوهم إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة فقالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا الآية ، وكان الله قد أطال أعمارهم حتى إن كان أحدهم يبني البيت من المدر فينهدم وهو حي ، فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتا فارهين فنحتوها ، وكانوا في سعة من معايشهم ، ولم يزل صالح يدعوهم فلم يتبعه منهم إلا قليل مستضعفون ، فلما ألح عليهم بالدعاء ، والتحذير ، والتخويف سألوه ، فقالوا : يا صالح ، اخرج معنا إلى عيدنا ، وكان لهم عيد يخرجون إليه بأصنامهم ، فأرنا آية فتدعو إلهك وندعو آلهتنا ، فإن استجيب لك اتبعناك وإن استجيب لنا اتبعتنا . فقال : نعم ، فخرجوا بأصنامهم ، وصالح معهم ، فدعوا أصنامهم أن لا يستجاب لصالح ما يدعو به ، وقال له سيد قومه : يا صالح ، أخرج لنا من هذه الصخرة لصخرة منفردة ناقة جوفاء عشراء ، فإن فعلت ذلك صدقناك . فأخذ عليهم مواثيق بذلك ، وأتى الصخرة ، وصلى ، ودعا ربه - عز وجل - فإذا هي تتمخض كما تتمخض الحامل ، ثم انفجرت وخرجت من وسطها الناقة كما طلبوا وهم ينظرون ، ثم نتجت سقبا مثلها في العظم ، فآمن به سيد قومه ، واسمه جندع بن عمرو ، ورهط من قومه ، فلما خرجت الناقة قال لهم صالح : هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ، ومتى عقرتموها أهلككم الله . فكان شربها يوما وشربهم يوما معلوما ، فإذا كان يوم شربها خلوا بينها وبين الماء وحلبوها لبنها ، وملأوا كل وعاء ، وإناء ، وإذا كان يوم شربهم صرفوها عن الماء فلم تشرب منه شيئا وتزودوا من الماء للغد . فأوحى الله إلى صالح أن قومك سيعقرون الناقة ، فقال لهم ذلك ، فقالوا : ما كنا لنفعل . قال : إلا تعقروها أنتم يوشك أن يولد فيكم مولود يعقرها . قالوا : وما علامته ؟ فوالله لا نجده إلا قتلناه ! قال : فإنه غلام أشقر ، أزرق ، أصهب ، أحمر . قال : فكان في المدينة شيخان عزيزان منيعان لأحدهما ابن رغب له عن المناكح ، وللآخر ابنة لا يجد لها كفؤا فزوج أحدهما ابنه بابنة الآخر فولد بينهما المولود ، فلما قال لهم صالح إنما يعقرها مولود فيكم اختاروا قوابل من القرية وجعلوا معهن شرطا يطوفون القرية فإذا وجدوا امرأة تلد نظروا ولدها ما هو ، فلما وجدوا ذلك المولود صرخ النسوة ، وقلن : هذا الذي يريد نبي الله صالح ، فأراد الشرط أن يأخذوه فحال جداه بينهم وبينه وقالا : لو أراد صالح هذا لقتلناه . فكان شر مولود وكان يشب في اليوم شباب غيره في الجمعة ، فاجتمع تسعة رهط منهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، كانوا قتلوا أبناءهم حين ولدوا خوفا أن يكون عاقر الناقة منهم ، ثم ندموا فأقسموا ليقتلن صالحا ، وأهله ، وقالوا : نخرج فترى الناس أننا نريد السفر فنأتي الغار الذي على طريق صالح فنكون فيه ، فإذا جاء الليل وخرج صالح إلى مسجده قتلناه ، ثم رجعنا إلى الغار ، ثم انصرفنا إلى رحالنا ، وقلنا ما شهدنا قتله فيصدقنا قومه . وكان صالح لا يبيت معهم ، كان يخرج إلى مسجد له يعرف بمسجد صالح فيبيت فيه ، فلما دخلوا الغار سقطت عليهم صخرة فقتلتهم ، فانطلق رجال ممن عرف الحال إلى الغار فرأوهم هلكى ، فعادوا يصيحون : إن صالحا أمرهم بقتل أولادهم ، ثم قتلهم . وقيل : إنما كان تقاسم التسعة على قتل صالح بعد عقر الناقة وإنذار صالح إياهم بالعذاب ، وذلك أن التسعة الذين عقروا الناقة قالوا : تعالوا فلنقتل صالحا فإن كان صادقا عجلنا قتله ، وإن كان كاذبا ألحقناه بالناقة ، فأتوه ليلا في أهله فدمغتهم الملائكة بالحجارة فهلكوا ، فأتى أصحابهم فرأوهم هلكى فقالوا لصالح : أنت قتلتهم ، وأرادوا قتله ، فمنعهم عشيرته وقالوا : إنه قد أنذركم العذاب ، فإن كان صادقا فلا تزيدوا ربكم غضبا ، وإن كان كاذبا فنحن نسلمه إليكم ، فعادوا عنه ، فعلى القول الأول يكون التسعة الذين تقاسموا غير الذين عقروا الناقة ، والثاني أصح ، والله أعلم . وأما سبب قتل الناقة فقيل : إن قدار بن سالف جلس مع نفر يشربون الخمر فلم يقدروا على ماء يمزجون به خمرهم لأنه كان يوم شرب الناقة ، فحرض بعضهم بعضا على قتلها . وقيل : إن ثمودا كان فيهم امرأتان يقال لإحداهما قطام ، وللأخرى قبال ، وكان قدار يهوى قطام ، ومصدع يهوى قبال ، ويجتمعان بهما ، ففي بعض الليالي قالتا لقدار ومصدع : لا سبيل لكما إلينا حتى تقتلا الناقة ، فقالا : نعم ، وخرجا وجمعا أصحابهما وقصدا الناقة وهي على حوضها ، فقال الشقي لأحدهم : اذهب فاعقرها ، فأتاها ، فتعاظمه ذلك ، فأضرب عنه ، وبعث آخر فأعظم ذلك وجعل لا يبعث أحدا إلا تعاظمه قتلها حتى مشى هو إليها فتطاول فضرب عرقوبها ، فوقعت تركض ، وكان قتلها يوم الأربعاء ، واسمه بلغتهم جبار ، وكان هلاكهم يوم الأحد ، وهو عندهم أول ، فلما قتلت أتى رجل منهم صالحا فقال : أدرك الناقة فقد عقروها ، فأقبل وخرجوا يتلقونه ، ويعتذرون إليه : يا نبي الله إنما عقرها فلان ، إنه لا ذنب لنا ! قال : انظروا هل تدركون فصيلها ؟ فإن أدركتموه فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب . فخرجوا يطلبونه ، ولما رأى الفصيل أمه تضطرب قصد جبلا يقال له القارة قصيرا فصعده ، وذهبوا يطلبونه ، فأوحى الله إلى الجبل فطال في السماء حتى ما يناله الطير ، ودخل صالح القرية ، فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ثم استقبل صالحا فرغا ثلاثا ، فقال صالح : لكل رغوة أجل يوم تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب ، وآية العذاب أن وجوهكم تصبح في اليوم الأول مصفرة ، وتصبح في اليوم الثاني محمرة ، وتصبح في اليوم الثالث مسودة . فلما أصبحوا إذا وجوههم كأنما طليت بالخلوق صغيرهم وكبيرهم ، ذكرهم وأنثاهم ، فلما أصبحوا في اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة ، فلما أصبحوا في اليوم الثالث إذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار ، فتكفنوا وتحنطوا ، وكان حنوطهم الصبر ، والمر ، وكانت أكفانهم الأنطاع ، ثم ألقوا أنفسهم إلى الأرض فجعلوا يقلبون أبصارهم إلى السماء والأرض لا يدرون من أين يأتيهم العذاب ، فلما أصبحوا في اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كالصاعقة ، فتقطعت قلوبهم في صدورهم فأصبحوا في ديارهم جاثمين وأهلك الله من كان بين المشارق والمغارب منهم إلا رجلا كان في الحرم فمنعه الحرم . قيل : ومن هو ؟ قيل : هو أبو رغال ، وهو أبو ثقيف في قول . ولما سار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك أتى على قرية ثمود ، فقال لأصحابه : لا يدخلن أحد منكم القرية ولا تشربوا من مائها ، وأراهم مرتقى الفصيل في الجبل ، وأراهم الفج الذي كانت الناقة ترد منه الماء . وأما صالح - عليه السلام - فإنه سار إلى الشام ، فنزل فلسطين ، ثم انتقل إلى مكة فأقام بها يعبد الله حتى مات ، وهو ابن ثمان وخمسين سنة ، وكان قد أقام في قومه يدعوهم عشرين سنة . وأما أهل التوراة فإنهم يزعمون أنه لا ذكر لعاد ، وهود ، وثمود ، وصالح في التوراة ، قال : وأمرهم عند العرب في الجاهلية والإسلام كشهرة إبراهيم الخليل - عليه السلام - . قلت : وليس إنكارهم ذلك بأعجب من إنكارهم نبوة إبراهيم الخليل ورسالته ، وكذلك إنكارهم حال المسيح - عليه السلام - . قوله تعالى : قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين . قوله تعالى : قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فيه وجهان : أحدهما : لتزيلنا عن عبادتها بالإفك . الثاني : لتصرفنا عن آلهتنا بالمنع ، قاله الضحاك قال عروة بن أذينة : إن تك عن أحسن الصنيعة مأ فوكا ففي آخرين قد أفكوا يقول : إن لم توفق للإحسان فأنت في قوم قد صرفوا . فأتنا بما تعدنا هذا يدل على أن الوعد قد يوضع موضع الوعيد . إن كنت من الصادقين أنك نبي قال إنما العلم بوقت مجيء العذاب . عند الله لا عندي وأبلغكم ما أرسلت به عن ربكم . ولكني أراكم قوما تجهلون في سؤالكم استعجال العذاب . فلما رأوه عارضا قال المبرد : الضمير في رأوه يعود إلى غير مذكور ، وبينه قوله : عارضا فالضمير يعود إلى السحاب ، أي : فلما رأوا السحاب عارضا . فعارضا نصب على التكرير ، سمي بذلك لأنه يبدو في عرض السماء . وقيل : نصب على الحال . وقيل : يرجع الضمير إلى قوله : فأتنا بما تعدنا فلما رأوه حسبوه سحابا يمطرهم ، وكان المطر قد أبطأ عنهم ، فلما رأوه مستقبل أوديتهم استبشروا . وكان قد جاءهم من واد جرت العادة أن ما جاء منه يكون غيثا ، قاله ابن عباس وغيره . قال الجوهري : والعارض السحاب يعترض في الأفق ، ومنه قوله تعالى : هذا عارض ممطرنا أي : ممطر لنا ; لأنه معرفة لا يجوز أن يكون صفة لعارض وهو نكرة . والعرب إنما تفعل مثل هذا في الأسماء المشتقة من الأفعال دون غيرها . قال جرير : يا رب غابطنا لو كان يطلبكم لاقى مباعدة منكم وحرمانا ولا يجوز أن يقال : هذا رجل غلامنا . وقال أعرابي بعد الفطر : رب صائمة لن تصومه ، وقائمة لن تقومه ، فجعله نعتا للنكرة وأضافه إلى المعرفة . قلت : قوله : ( لا يجوز أن يكون صفة لعارض ) خلاف قول النحويين ، والإضافة في تقدير الانفصال ، فهي إضافة لفظية لا حقيقية ; لأنها لم تفد الأول تعريفا ، بل الاسم نكرة على حاله ، فلذلك جرى نعتا على النكرة . هذا قول النحويين في الآية والبيت . ونعت النكرة نكرة . و ( رب ) لا تدخل إلا على النكرة . بل هو أي قال هود لهم . والدليل عليه قراءة من قرأ ( قال هود بل هو ) وقرئ ( قل بل ما استعجلتم به هي ريح ) أي : قال الله : قل بل هو ما استعجلتم به ، ويعني قولهم : فأتنا بما تعدنا ريح فيها عذاب أليم والريح التي عذبوا بها نشأت من ذلك السحاب الذي رأوه ، وخرج هود من بين أظهرهم ، فجعلت تحمل الفساطيط وتحمل الظعينة فترفعها كأنها جرادة ، ثم تضرب بها الصخور . قال ابن عباس : أول ما رأوا العارض قاموا فمدوا أيديهم ، فأول ما عرفوا أنه عذاب رأوا ما كان خارجا من ديارهم من الرجال والمواشي تطير بهم الريح ما بين السماء والأرض مثل الريش ، فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم ، فقلعت الريح الأبواب وصرعتهم ، وأمر الله الريح فأمالت عليهم الرمال ، فكانوا تحت الرمال سبع ليال وثمانية أيام حسوما ، ولهم أنين ، ثم أمر الله الريح فكشف عنهم الرمال واحتملتهم فرمتهم في البحر ، فهي التي قال الله تعالى فيها : تدمر كل شيء بأمر ربها أي : كل شيء مرت عليه من رجال عاد وأموالها . قال ابن عباس : أي : كل شيء بعثت إليه . والتدمير : الهلاك . وكذلك الدمار . وقرئ ( يدمر كل شيء ) من دمر دمارا . يقال : دمره تدميرا ودمارا ودمر عليه بمعنى . ودمر يدمر دمورا دخل بغير إذن . وفي الحديث : [ من سبق طرفه استئذانه فقد دمر ] مخفف الميم . وتدمر : بلد بالشام . ويربوع تدمري إذا كان صغيرا قصيرا . بأمر ربها بإذن ربها . وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم . قالت : وكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف في وجهه . قالت : يا رسول الله ، الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر ، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية ؟ فقال : [ يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا ] خرجه مسلم والترمذي ، وقال فيه : حديث حسن . وفي صحيح مسلم عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : [ نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ] . وذكر الماوردي أن القائل هذا عارض ممطرنا من قوم عاد : بكر بن معاوية ، ولما رأى السحاب قال : إني لأرى سحابا مرمدا ، لا تدع من عاد أحدا . فذكر عمرو بن ميمون أنها كانت تأتيهم بالرجل الغائب حتى تقذفه في ناديهم . قال ابن إسحاق : واعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ، ما يصيبه ومن معه منها إلا ما يلين أعلى ثيابهم . وتلتذ الأنفس به ، وإنها لتمر من عاد بالظعن بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة حتى هلكوا . وحكى الكلبي أن شاعرهم قال في ذلك : فدعا هود عليهم دعوة أضحوا همودا عصفت ريح عليهم تركت عادا خمودا سخرت سبع ليال لم تدع في الأرض عودا وعمر هود في قومه بعدهم مائة وخمسين سنة . فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم قرأ عاصم وحمزة لا يرى إلا مساكنهم بالياء غير مسمي الفاعل . وكذلك روى حماد بن سلمة عن ابن كثير إلا أنه قرأ ( ترى ) بالتاء . وقد روي ذلك عن أبي بكر عن عاصم . الباقون ( ترى ) بتاء مفتوحة . ( مساكنهم ) بالنصب ، أي : لا ترى يا محمد إلا مساكنهم . قال المهدوي : ومن قرأ بالتاء غير مسمي الفاعل فعلى لفظ الظاهر الذي هو المساكن المؤنثة ، وهو قليل لا يستعمل إلا في الشعر . وقال أبو حاتم : لا يستقيم هذا في اللغة إلا أن يكون فيها إضمار ، كما تقول في الكلام ألا ترى النساء إلا زينب . ولا يجوز لا ترى إلا زينب . وقال سيبويه : معناه لا ترى أشخاصهم إلا مساكنهم . واختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة عاصم وحمزة . قال الكسائي : معناه لا يرى شيء إلا مساكنهم ، فهو محمول على المعنى ، كما تقول : ما قام إلا هند ، والمعنى ما قام أحد إلا هند . وقال الفراء : لا يرى الناس لأنهم كانوا تحت الرمل ، وإنما ترى مساكنهم لأنها قائمة . كذلك نجزي القوم المجرمين أي مثل هذه العقوبة نعاقب بها المشركين .

ذرية نوح عليه السلام

0

ذرية نوح عليه السلام قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى : وجعلنا ذريته هم الباقين ، إنهم سام ، وحام ، ويافث وقال وهب بن منبه : إن سام بن نوح أبو العرب ، وفارس ، والروم ، وإن حاما أبو السودان ، وإن يافث أبو الترك ويأجوج ومأجوج . وقيل إن القبط من ولد قوط بن حام ، وإنما كان السواد من نسل حام لأن نوحا نام فانكشفت سوءته فرآها حام فلم يغطها ورآها سام ويافث فألقيا عليها ثوبا ، فلما استيقظ علم ما صنع حام ، وإخوته فدعا عليهم . قال ابن إسحاق : فكانت امرأة سام بن نوح صلب ابنة بتاويل بن محويل بن حانوخ بن قين بن آدم فولدت له نفرا : أرفخشذ ، وأسود ، ولاود ، وإرم . قال : ولا أدري أإرم لأم أرفخشذ وإخوته أم لا ؟ فمن ولد لاود بن سام فارس ، وجرجان ، وطسم ، وعمليق ، وهو أبو العماليق ، ومنهم كانت الجبابرة بالشام الذين يقال لهم الكنعانيون ، والفراعنة بمصر ، وكان أهل البحرين ، وعمان منهم ويسمون جاشم . وكان منهم بنو أميم بن لاود أهل وبار بأرض الرمل ، وهي بين اليمامة والشحر ، وكانوا قد كثروا فأصابتهم نقمة من الله من معصية أصابوها فهلكوا وبقيت منهم بقية ، وهم الذين يقال لهم النسناس ، وكان طسم ساكني اليمامة إلى البحرين ، فكانت طسم ، والعماليق وأميم ، وجاشم قوما عربا لسانهم عربي ، ولحقت عبيل بيثرب قبل أن تبنى . ولحقت العماليق بصنعاء قبل أن تسمى صنعاء . وانحدر بعضهم إلى يثرب فأخرجوا منها عبيلا فنزلوا موضع الجحفة ، فأقبل سيل فاجتحفهم ، أي أهلكهم ، فسميت الجحفة . قال : وولد إرم بن سام عوضا وغاثرا وحويلا ، فولد عوض غاثرا ، وعادا ، وعبيلا ، وولد غاثر بن إرم ثمود وجديسا ، وكانوا عربا يتكلمون بهذا اللسان المضري . وكانت العرب تقول لهذه الأمم ولجرهم العرب العاربة . ويقولون لبني إسماعيل العرب المعربة ، لأنهم إنما تكلموا بلسان هذه الأمم حين سكنوا بين أظهرهم . فكانت عاد بهذا الرمل إلى حضرموت . وكانت ثمود بالحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى . ولحقت جديس بطسم ، وكانوا معهم باليمامة إلى البحرين ، واسم اليمامة إذ ذاك جو . وسكنت جاشم عمان . والنبط من ولد نبيط بن ماش بن إرم بن سام . والفرس بنو فارس بن تيرش بن ماسور بن سام . قال : وولد لأرفخشذ بن سام ابنه قينان ، كان ساحرا ، وولد لقينان شالخ بن أرفخشذ من غير ذكر قينان لما ذكر من سحره . وولد لشالخ غابر ، ولغابر فالغ ، ومعناه القاسم ، لأن الأرض قسمت والألسن تبلبلت في أيامه ، وقحطان بن غابر ، فولد لقحطان يعرب ويقظان ، فنزلا اليمن ، وكان أول من سكن اليمن ، وأول من سلم عليه بـ أبيت اللعن . وولد لفالغ بن غابر أرغو ، وولد لأرغو ساروغ ، وولد لساروغ ناخور ، وولد لناخور تارخ ، واسمه بالعربية آزر . وولد لآزر إبراهيم ، عليه السلام . وولد لأرفخشذ أيضا نمرود ، وقيل هو نمرود بن كوش بن حام بن نوح . قال هشام بن الكلبي : السند ، والهند بنو توقير بن يقطن بن غابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، وجرهم من ولد يقطن بن غابر . وحضرموت بن يقطن ، ويقطن هو قحطان في قول من نسبه إلى غير إسماعيل . والبربر من ولد ثميلا بن مارب بن فاران بن عمرو بن عمليق بن لاود بن سام بن نوح ، ما خلا صنهاجة وكتامة ، فإنهما بنو فريقش بن صيفي بن سبإ . وأما يافث فمن ولده جامر ، وموعع ، ومورك ، وبوان ، وفوبا ، وماشج ، وتيرش ، فمن ولد جامر ملوك فارس في قول ، ومن ولد تيرش الترك ، والخزر ، ومن ولد ماشج الأشبان ، ومن ولد موعع يأجوج ومأجوج ، ومن ولد بوان الصقالبة وبرجان . والأشبان كانوا في القديم بأرض الروم قبل أن يقع بها من وقع من ولد العيص بن إسحاق وغيرهم . وقصد كل فريق من هؤلاء الثلاثة سام ، وحام ، ويافث أرضا فسكنوها ودفعوا غيرهم عنها . ومن ولد يافث الروم ، وهم بنو لنطى بن يونان بن يافث بن نوح . وأما حام فولد له كوش ، ومصرايم ، وقوط ، وكنعان ، فمن ولد كوش نمرود بن كوش ، وقيل : هو من ولد سام ، وصارت بقية ولد حام بالسواحل من النوبة ، والحبشة ، والزنج ، ويقال : إن مصرايم ولد القبط والبربر . وأما قوط فقيل إنه سار إلى الهند ، والسند فنزلها وأهلها من ولده . وأما الكنعانيون فلحق بعضهم بالشام ، ثم جاءت بنو إسرائيل فقتلوهم بها ونفوهم عنها وصار الشام لبني إسرائيل . ثم وثبت الروم على بني إسرائيل فأجلوهم عن الشام إلى العراق إلا قليلا منهم . ثم جاءت العرب فغلبوا على الشام . وكان يقال لعاد عاد إرم ، فلما هلكوا قيل لثمود ثمود إرم قال : وزعم أهل التوراة أن أرفخشذ ولد لسام بعد أن مضى من عمر سام مائة سنة وسنتان ، وكان جميع عمر سام ستمائة سنة . ثم ولد لأرفخشذ قينان بعد أن مضى من عمر أرفخشذ خمس وثلاثون سنة ، وكان عمره أربعمائة وثمانيا وثلاثين سنة . ثم ولد لقينان شالخ بعد أن مضى من عمره تسع وثلاثون سنة ، ولم تذكر مدة عمر قينان في الكتب لما ذكرنا من سحره . ثم ولد لشالخ غابر بعدما مضى من عمره ثلاثون سنة ، وكان عمره كله أربعمائة وثلاثا وثلاثين سنة . ثم ولد لغابر فالغ ، وأخوه قحطان ، وكان مولد فالغ بعد الطوفان بمائة وأربعين سنة ، وكان عمره أربعمائة وأربعا وسبعين سنة . ثم ولد لفالغ أرغو بعد ثلاثين سنة من عمر فالغ ، وكان عمره مائتين وتسعا وثلاثين سنة . وولد لأرغو ساروغ بعدما مضى من عمره اثنتان وثلاثون سنة ، وكان عمره مائتين وتسعا وثلاثين سنة ، وولد لساروغ ناخور بعد ثلاثين سنة من عمره ، وكان عمره كله مائتين وثلاثين سنة . ثم ولد لناخور تارخ أبو إبراهيم بعدما مضى من عمره سبع وعشرون سنة ، وكان عمره كله مائتين وثمانيا وأربعين سنة . وولد لتارخ - وهو آزر - إبراهيم عليه السلام . وكان بين الطوفان ومولد إبراهيم ألف سنة ومائتا سنة وثلاث وستون سنة ، وذلك بعد خلق آدم بثلاثة آلاف سنة وثلاثمائة وسبع وثلاثين سنة . وولد لقحطان بن غابر يعرب ، فولد ليعرب يشجب ، فولد يشجب سبأ ، فولد سبأ حمير ، وكهلان ، وعمرا ، والأشعر ، وأنمار ، ومرا ، فولد عمرو بن سبإ عديا ، وولد عدي لخما ، وجذاما . قوله تعالى : ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه وأهله من الكرب العظيم وجعلنا ذريته هم الباقين وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ثم أغرقنا الآخرين قوله تعالى : ولقد نادانا نوح من النداء الذي هو الاستغاثة ، ودعا قيل بمسألة هلاك قومه فقال : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا . فلنعم المجيبون قال الكسائي : أي : فلنعم المجيبون له كنا . ونجيناه وأهله يعني أهل دينه ، وهم من آمن معه وكانوا ثمانين على ما تقدم . من الكرب العظيم وهو الغرق . وجعلنا ذريته هم الباقين قال ابن عباس : لما خرج نوح من السفينة مات من معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءه ، فذلك قوله : وجعلنا ذريته هم الباقين . وقال سعيد بن المسيب : كان ولد نوح ثلاثة ، والناس كلهم من ولد نوح : فسام أبو العرب وفارس والروم واليهود والنصارى . وحام أبو السودان من المشرق إلى المغرب : السند والهند والنوب والزنج والحبشة والقبط والبربر وغيرهم . ويافث أبو الصقالبة والترك واللان والخزر ويأجوج ومأجوج وما هنالك . وقال قوم : كان لغير ولد نوح أيضا نسل ، بدليل قوله : ذرية من حملنا مع نوح وقوله : قيل يانوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم فعلى هذا معنى الآية : وجعلنا ذريته هم الباقين دون ذرية من كفر أنا أغرقنا أولئك . قوله تعالى : وتركنا عليه في الآخرين أي تركنا عليه ثناء حسنا في كل أمة ، فإنه محبب إلى الجميع ، حتى إن في المجوس من يقول إنه أفريدون . روي معناه عن مجاهد وغيره . وزعم الكسائي أن فيه تقديرين : أحدهما : وتركنا عليه في الآخرين يقال : سلام على نوح أي : تركنا عليه هذا الثناء الحسن . وهذا مذهب أبي العباس المبرد . أي : تركنا عليه هذه الكلمة باقية ، يعني يسلمون عليه تسليما ويدعون له ، وهو من الكلام المحكي ، كقوله تعالى : سورة أنزلناها . والقول الآخر : أن يكون المعنى وأبقينا عليه ، وتم الكلام ثم ابتدأ فقال : سلام على نوح أي سلامة له من أن يذكر بسوء في الآخرين . قال الكسائي : وفي قراءة ابن مسعود " سلاما " منصوب ب " تركنا " أي : تركنا عليه ثناء حسنا سلاما . وقيل : في الآخرين أي : في أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : في الأنبياء ، إذ لم يبعث بعده نبي إلا أمر بالاقتداء به ، قال الله تعالى : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا وقال سعيد بن المسيب : وبلغني أنه من قال حين يمسي : سلام على نوح في العالمين لم تلدغه عقرب . ذكره أبو عمر في التمهيد . وفي الموطأ عن خولة بنت حكيم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من نزل منزلا فليقل : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل . وفيه عن أبي هريرة أن رجلا من أسلم قال : ما نمت هذه الليلة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أي شيء ؟ . فقال : لدغتني عقرب ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما إنك لو قلت حين أمسيت : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك . قوله تعالى : إنا كذلك نجزي المحسنين أي نبقي عليهم الثناء الحسن . والكاف في موضع نصب ، أي : جزاء كذلك . إنه من عبادنا المؤمنين هذا بيان إحسانه . قوله تعالى : ثم أغرقنا الآخرين أي من كفر . وجمعه أخر . والأصل فيه أن يكون معه " من " إلا أنها حذفت ; لأن المعنى معروف ، ولا يكون آخرا إلا وقبله شيء من جنسه . ثم ليس للتراخي هاهنا بل هو لتعديد النعم ، كقوله : أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا أي : ثم أخبركم أني قد أغرقت الآخرين ، وهم الذين تأخروا عن الإيمان .

هل تعلم ان بيوراسب وهو الازدهاق الذي يسميه العرب الضحاك من الفراعنه

0

بيوراسب وهو الازدهاق الذي يسميه العرب الضحاك وأهل اليمن يدعون أن الضحاك منهم ، وأنه أول الفراعنة ، وكان ملك مصر لما قدمها إبراهيم الخليل . والفرس تذكر أنه منهم وتنسبه إليهم ، وأنه بيوراسب بن أرونداسب بن رينكار بن وندريشتك بن يارين بن فروال بن سيامك بن ميشى بن جيومرث ، ومنهم من ينسبه غير هذه النسبة ، وزعم أهل الأخبار أنه ملك الأقاليم السبعة ، وأنه كان ساحرا فاجرا . قال هشام بن الكلبي : ملك الضحاك بعد جم فيما يزعمون - والله أعلم - ألف سنة ، ونزل السواد في قرية يقال لها برس في ناحية طريق الكوفة ، وملك الأرض كلها ، وسار بالجور والعسف ، وبسط يده في القتل ، وكان أول من سن الصلب ، والقطع ، وأول من وضع العشور ، وضرب الدراهم ، وأول من تغنى وغني له . قال : وبلغنا أن الضحاك هو نمرود ، وأن إبراهيم - عليه السلام - ولد في زمانه ، وأنه صاحبه الذي أراد إحراقه . وتزعم الفرس أن الملك لم يكن إلا للبطن الذي منه أوشهنج ، وجم ، وطهمورث ، وأن الضحاك كان غاضبا ، وأنه غصب أهل الأرض بسحره ، وخبثه ، وهول عليهم بالحيتين اللتين كانتا على منكبيه . وقال كثير من أهل الكتب : إن الذي كان على منكبيه كان لحمتين طويلتين كل واحدة منهما كرأس الثعبان ، وكان يسترهما بالثياب ، ويذكر على طريق التهويل أنهما حيتان تقتضيانه الطعام ، وكانتا تتحركان تحت ثوبه إذا جاعتا ، ولقي الناس منه جهدا شديدا ، وذبح الصبيان لأن اللحمتين اللتين كانتا على منكبيه كانتا تضطربان فإذا طلاهما بدماغ إنسان سكنتا ، فكان يذبح كل يوم رجلين ، فلم يزل الناس كذلك حتى إذا أراد الله هلاكه وثب رجل من العامة من أهل أصبهان يقال له كابي بسبب ابنين له أخذهما أصحاب بيوراسب بسبب اللحمتين اللتين على منكبيه ، وأخذ كابي عصا كانت بيده فعلق بطرفها جرابا كان معه ثم نصب ذلك كالعلم ودعا الناس إلى مجاهدة بيوراسب ومحاربته . فأسرع إلى إجابته خلق كثير لما كانوا فيه من البلاء ، وفنون الجور . فلما غلب كابي تفاءل الناس بذلك العلم فعظموه ، وزادوا فيه حتى صار عند ملوك العجم علمهم الأكبر الذي يتبركون به وسموه درفش كابيان ، فكانوا لا يسيرونه إلا في الأمور الكبار العظام ، ولا يرفع إلا لأولاد الملوك إذا وجهوا في الأمور الكبار . وكان من خبر كابي أنه من أهل أصبهان ، فثار بمن اتبعه ، فالتفت الخلائق إليه . فلما أشرف الضحاك قذف في قلب الضحاك منه الرعب ، فهرب عن منازله وخلى مكانه . فاجتمع الأعجام إلى كابي ، فأعلمهم أنه لا يتعرض للملك لأنه ليس من أهله ، وأمرهم أن يملكوا بعض ولد جم لأنه ابن الملك أوشهنق الأكبر بن فروال الذي رسم الملك وسبق في القيام به . وكان أفريدون بن أثغيان مستخفيا من الضحاك ، فوافى كابي ومن معه ، فاستبشروا بموافاته فملكوه ، وصار كابي والوجوه لأفريدون أعوانا على أمره . فلما ملك وأحكم ما احتاج إليه من أمر الملك احتوى على منازل الضحاك وسار في أسره فأسره بدنباوند في جبالها . وبعض المجوس تزعم أنه وكل به قوما من الجن ، وبعضهم يقول : إنه لقي سليمان بن داود ، وحبسه سليمان في جبل دنباوند ، وكان ذلك الزمان بالشام ، فما برح بيوراسب بحبسه يجره حتى حمله إلى خراسان . فلما عرف سليمان ذلك أمر الجن فأوثقوه حتى لا يزول ، وعملوا عليه طلسما كرجلين يدقان باب الغار الذي حبس فيه أبدا لئلا يخرج ، فإنه عندهم لا يموت . وهذا أيضا من أكاذيب الفرس الباردة ، ولهم فيه أكاذيب أعجب من هذا تركنا ذكرها . وبعض الفرس يزعم أن أفريدون قتله يوم النيروز ، فقال العجم عند قتله : إمروز نوروز ، أي استقبلنا الدهر بيوم جديد ، فاتخذوه عيدا ، وكان أسره يوم المهرجان ، فقال العجم : آمد مهرجان لقتل من كان يذبح . وزعموا أنهم لم يسمعوا في أمور الضحاك بشيء يستحسن غير شيء واحد ، وهو أن بليته لما اشتدت ودام جوره وتراسل الوجوه في أمره فأجمعوا على المصير إلى بابه فوافاه الوجوه ، فاتفقوا على أن يدخل عليه كابي الأصبهاني ، فدخل عليه ولم يسلم ، فقال : أيها الملك ، أي السلام أسلم عليك ؟ سلام من يملك الأقاليم كلها أم سلام من يملك هذا الإقليم ؟ فقال : بل سلام من يملك الأقاليم لأني ملك الأرض . فقال كابي : إذ كنت تملك الأقاليم كلها فلم خصصتنا بأثقالك ، وأسبابك من بينهم ، ولم لا تقسم الأمور بيننا وبينهم ؟ وعدد عليه أشياء كثيرة ، فصدقه ، فعمل كلامه في الضحاك ، فأقر بالإساءة وتألف القوم ، ووعدهم بما يحبون وأمرهم بالانصراف ليعودوا ويقضي حوائجهم ، ثم ينصرفوا إلى بلادهم . وكانت أمه حاضرة تسمع معاتبتهم ، وكانت شرا منه ، فلما خرج القوم دخلت مغتاظة من احتماله وحلمه عنهم فوبخته وقالت له : ألا أهلكتهم ، وقطعت أيديهم ؟ فلما أكثرت عليه قال لها : يا هذه ، لا تفكري في شيء إلا سبقت إليه ، إلا أن القوم بدهوني بالحق وقرعوني به ، فكلما هممت بهم تخيل لي الحق بمنزلة جبل بيني وبينهم فما أمكنني فيه شيء . ثم جلس لأهل النواحي فوفى لهم بما وعدهم وقضى أكثر حوائجهم . وقال بعضهم : كان ملكه ستمائة سنة ، وكان عمره ألف سنة ، وإنه كان في باقي عمره شبيها بالملك لقدرته ونفوذ أمره ، وقيل : كان ملكه ألف سنة ومائة سنة . وإنما ذكرنا خبر بيوراسب ههنا لأن بعضهم يزعم أن نوحا كان في زمانه ، وإنما أرسل إليه وإلى أهل مملكته . وقيل إنه هو الذي بنى مدينة بابل ، ومدينة صور ، ومدينة دمشق .

أقسام المدونة

عن المدونة

Blogger templates

تعديل